ثقافة قانونية
ثقافة قانونية
نظرة تاريخية على مهنة المحاماة
يُعرف النقيب الفيلسوف والمؤرخ عبد الرحمن الرافعى المحاماة على أنها "المحاماة خلق ؛ ونجدة ؛ وشجاعة ؛ وثقافة ؛ وتفكير؛ ودرس ؛ وتمحيص ؛ وبلاغة ؛ ومثابرة ؛ وجلد ؛ وثقة بالنفس ؛ واستقلال في الرأي والحياة ؛ وأمانة ؛ وإخلاص في الدفاع " ومن ثم فهو تعريف يؤكد على أن المحاماة فى رؤية النقيب الرافعى هى تحقيق السعادة عن طريق أسباب يمتطيها المحامى اثناء ممارسته لمهنته وأدائه لرسالته لتحقيق هذه السعادة ؛ بالخلق القويم والنجدة التى مطيتها المروءة ؛ والشجاعة التى مطيتها الجرأة ؛ والثقافة التى مطيتها العلم ؛ والتفكير الذى مطيته الفلسفة والمنطق ؛ والدرس الذي مطيته التفرغ لتحصيل العلم ؛ والتمحيص الذى مطيته التدبر ؛ والبلاغة التى مطيتها التمكن من اللغة ؛ والمثابرة التى مطيتها القناعة بالقضية ؛ والجلد الذى مطيته قوة التحمل ؛ والثقة بالنفس التى مطيتها شخصية مقتنعة بما تمارس من رسالة وإستقلال الرأى والحياة الذى مطيته شخصية قيادية لها تفسراتها الذاتية التى تعين المحامى على قلب الاخطاء وتحويل مسارها لتصب في نهر الحياة الصحيح ؛ والأمانة التى مطيتها مراقبة الله والضمير ؛ والإخلاص فى الدفاع الذى مطيته التفانى فى أداء المحاماة على كونها رسالة بجانب كونها مهنة.
أول ما بدأت المحاماة قديماً في بلاد اليونان كان المكان الذي يجتمع فيه المحامون من الأماكن المقدسة، فإذا حان وقت النظر بالقضايا رُش المكان بالماء المطهر إشارة إلى أنه يجب ألا يجري فيه من الأعمال ولا يُتكلم فيه من الأقوال إلا ما كان طاهراً ونقياً. وعلا شأن المحاماة إلى أوجها في عهد الرومان حتى أن أحد ملوكها "أفطيموس" أصدر شرعة ساوى فيها بين المحامين ورجال الجيش الذين كانوا أعلى القوم جاهاً وأرفعهم شأناً قائلاً:
"لا فرق بين الذين يحمون زمار الدولة بحد المراهنات وبين الذين يزودون عن حقوقها وحقوق أفرادها بألسنتهم وأقلامهم"
وعند العرب قبل الإسلام، كان إذا وقع خلاف بينهم تقدم رجل بالوكالة الشفوية عن كل فريق ليبسط قضية موكله للقاضي بأسلوب بليغ ويُسمى حجاجاً أي قوي الحجة وهو المحامي. وعندما جاء الإسلام، كان المحامون يعرفون بوكلاء الحكم أو وكلاء الدعاوى حيث أجازت الشريعة الإسلامية التوكيل في الخصومة ؛ وذلك لحاجة الناس الشديدة إلى ذلك ؛ وهناك أثار كثيرة وردت في ذلك عن السلف تثبت جواز التوكيل بالخصومة، فمن ذلك ما رواه الإمام البيهقى عن عبد الله بن جعفر قال :
"كان على بن أبى طالب يكره الخصومة ؛ فكان إذا كانت له خصومة وكل فيها عقيل ابن أبى طالب؛ فلما كبر عقيل وتقدم به السن وكلني"
ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من اللحن في القول بأن يقلب المسلم الباطل حقاً أو الحق باطلاً؛ إذ قال:
" إنى بشر وإنكم تتحاكمون إلى؛ ورب أحدكم ألحن بحجته من الأخر؛ فأحسب أن الحق له؛ فأقضى له على حسب ما أسمع؛ فمن قضيت له بغير حقه؛ فإنما أقضى له بقطعة من نار فإن شاء أخذها وإن شاء تركها". هكذا يحذر النبي من يجيدون عرض الحجج وترتيب الأمور تقديماً وتأخيراً ونسج الخيال وخلطة بالواقع ليأخذواْ ما ليس لهم، فيخبرهم النبي بأن ذلك إنما يكون قطعة من نار. والنبي أو اى قاض يقضى بما سمع أو فهم أو عرض عليه وهو يسعى ليصل إلى الحقيقة؛ ولكن مع ذلك فإن النبي نفسه يقول أنه ربما سمع من الخصوم؛ فيقوم كل منهم عن طريق عرض حجج قد تكون غير واقعية أو مختلقة، فيقضى النبي لشخص قد لا يكون هو صاحب الحـق؛ فعليه ألا يأخذه؛ لأنه قطعة من النار.
ومن ثم يجب على وكيل الخصومة – المحامى – أن يكون رفداً للعدالة ومساعداً لإظهار الحق؛ فإذا علم أن موكله على باطل فعليه أن يتخلى عن وكالته ولا يتمادى في الدفاع عنه إذا علم بطلان دعواه. قال الله تعالى:
" وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً "سورة النساء الاية 105. وهذه الآية في منتهى الصراحة والوضوح في كون النيابة أو المحاماة أوالدفاع عن الباطل لا تجوز في شرع الله؛ ولا يجوز لأحد أن يدافع عن أحد إلا بعد أن يعلم انه محق. وفى الحديث الشريف: "من أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله". وقد إتفق الفقهاء على أنه يجب على الوكـيل في الخصومة أن يتحفظ بدينهُ وألا يقـبل وكالة إلا عندما يعلم أن صاحبهـا محق، ولا يجوز له أن يقبل وكاله أحد هو عالم أنه على غير حق؛ بل لو إقتنع المحامي أن موكله على غير حق فعليه أن يصارحه بذلك مبيناً له وجه الضرر من استرساله في الخصومة وما يجره عليه ذلك من خسارة الدعوى وخسارة المال ومرارة الحكم ومشونة الباطل.
إن كثيراً من المنازعات يمكن تسويتها صلحاً بين المتخاصمين غير أن العناد أو الطمع قد يحمل أحد الطرفين على الالتجاء إلى المحاكم فإذا ما أيقن هذا المعاند أو هذا الطامع بأنه لن يبوء من القضية إلا بالفشل وأنه سيخسر الدعوى ويخسر إلى جانبها الأتعاب التي يدفعها للمحامي ومصاريف الدعوى وأتعاب محامي الخصم التي تقدرها المحكمة وأنه فوق ذلك سيخسر الصلح المعروض عليه أو الذي يمكنه الحصول عليه ودياً فقد يعيده ذلك إلى صوابه ويسعى إلى التفاهم مع خصمه بطريقة ودية ويكون الفضل في ذلك للمحامي الشريف الذي أخلص النصيحة وحسم الشر ووفر على المتقاضين الإنفاق على الخصومة والاسترسال في المنازعات.
أما إذا اطمأن المحامي إلى أن صاحب القضية على حق فليأخذه بيده في ضوء الحقيقة إلى ساحة العدل وليقف بجانبه منتصراً لحقه مناضلاً عنه بكل مقدرته، وبذلك يكون العمل شريفاً مباركاً.
المستشار محمد ليس فقط محامياً محترفاً وأميناً وعلى اطلاع دائم، ولكنه أيضاً ودود جداً في تعامله مما يُكسبك احترامه.
أديب لوتاه
تواصل معنا عبر مواقع التواصل الإجتماعى